ليس عبثًا انهيال الرسائل وسماع التوصيّات التي تحثّك على إدخال القراءة كنشاطٍ عائلي حالما تصبح والدًا لطفل حديث الولادة. فهنالك أسباب وجيهة خلف هذا التحفيز: فوائد القراءة في كل مرحلة من مراحل النموّ تمّ رصدها وهي مؤكدة وموثّقة بما لا يدع مجالاً للشك. ولحسن الحظ فإن تربية وتنشئة طفلٍ قاريء ممتعة وشيّقة وتعود علينا بالجزاء الأوفى.. ونسبيًّا فهي سهلة مقارنة بعملية إدخال القراءة في مراحل الطفولة المتأخرة.
في هذا المبحث المبسط نستعرض الطرق المجدية والممتعة التي تسهّل على المربي والآباء الجدد تضمين القراءة في جدولهم اليوميّ.
جدِّد علاقتك بالقراءة
إن هبَطَت القراءة من سلّم الأولويات الخاصة بك – منذ أن تعددت مسؤولياتك – فلقد حان الوقت – مع استقبال الوليد الجديد – أن تعيدها إلى جدولك اليوميّ، لتفسح المجال والوقت الكافيين لقراءة كتبٍ تخصّك وكتب أخرى لطفلك.
إن كنتَ تريد طفلًا قارئًا فكُن قارئًا
القراءة لحديثيّ الولادة
يظن كثير من الأهل بأن ممارسة القراءة مع الطفل لا تبدأ إلا في الوقت الذي يستطيع فيه الطفل الوقوف على قدميه – على أقل تقدير – وهذا خطأ فادح! فجاهزية الوليد إلى الاستماع والإنصات كما هي جاهزية قدميه إلى المشي والعدو، يتم تنميتها خلال ليالٍ وأيام وأشهر من النموّ. إذ يمكنهم تحصيل الاستفادة من خلال الإنصات إلى القصص. تماماً كما يستفيدون من ممارسة الركل وتناول الطعام والخلود إلى النوم لتحقيق نموّ جسديّ متكامل.
وإليكم كيف نحقق فائدة القراءة للطفل الوليد حديثًا:
اقرأ جهريًّا.. كل يوم.. أي كتاب
- من محاسن هذه المرحلة العمرية أن الطفل لا يمكنه الاعتراض على ما تقرأه له.
- غاية القراءة هنا هي ليست عن ماذا نقرأ؟ وماذا نقرأ؟
- الأبحاث تشير إلى أن مجموع الكلمات التي تطرق مسامع الطفل الوليد حديثًا لها تأثير مباشر ودور كبير في تطور اللغة لديه، وتطوّر مهارتيّ القراءة والكتابة – كأثر لاحق – لذا اقرأ أي كتاب يقع بين يديك: كتب الطبخ، الكتب التربوية، الشِعر، الروايات، دليل الاستخدام… وهكذا.
- ركّز هنا على: صوتك، استمراريتك، تواصلك المباشر مع الطفل حين تبدأ القراءة. فاللافت في هذه الآلية، إن أي كتاب يسمعه الطفل عبر طرق أخرى لا توضع بالحسبان. كالكتاب الصوتيّ مثلاً، والتلفزيون. وذلك لغياب هذا الاتصال المباشر الذي يتحقق عبر قراءتك وصوتك…
- القراءة إذن لا بدّ أن تكون ذات حيوية موجهة إلى الرضيع مباشرة.
أعطِ الكتابَ نبضًا وبثّ فيه الحياة
- عبر استعمال كافة الحواسّ وإشراكها في عملية القراءة تلك، حيث يتعلم الأطفال إن القراءة ممتعة حين ينخرطون فيها عبر حواسهم، رؤية الألوان والرسومات، ملمس الصفحات، صوت الوالدين، رائحتهما وهما يحيطانهم بأذرعهم الدافئة
طفلك هو جمهورك
- حتى وإن كان الطفل رضيعًا فإنه من المهم والمفيد التواصل البصريّ معه حين القراءة، لا تنظر إلى طفلك على نحو الترقب وانتظار شيء محدد منه.
- إنه جمهورك، انظر كيف توزع نظرك على جمهورك بالاهتمام والعناية. قد يبدو لك إنه لا يستمع إليك أو لا يفهم، ولكن ذلك غير صحيح.
- ما يحدث في هذه المرحلة تحديدًا (الولادة – دون السنتين) عندما تسلك سلوكًا ثابتًا في القراءة مع الطفل وتواظب عليه، فإن تجربة القراءة تكسب الرضيع عادات الوعي والانتباه، وستكبر معه وتبقى معه مدى الحياة.
- الرضيع مثل نبتة البامبو.. تحتاج الماء دوما، سريعة النموّ. القراءة لا تسرّع النموّ فقط، ولكنها تحضّر الطفل لنموٍّ زاهر.
شجّع طفلك ليتحدّث
- يبدأ الأطفال بالاستجابة لقراءتك عن طريق إصدار بعض الأصوات – هذه طريقتهم. إنهم لا يقاطعونك. لهذا السبب نجد أن عدداً من الكتب المخصصة لهذه المرحلة العمرية ما بين الولادة وحتى السنتين تحتوي على كلماتٍ لا معنى لها أو أصوات الحيوانات؛ ذلك أنها أسهل على الطفل في المحاكاة.
- جرب ذلك: حين يصدر طفلك صوتًا استجب له وتفاعل معه، مهما بدا الأمر غير منطقي بالنسبة لك. هكذا يكون التواصل الناجح معه.
الطفل الدارج (1-3 سنوات)
إننا من الصعب ألَّا نغالي في تبيان مدى أهمية القراءة لتطوّر الطفل الدارج اجتماعيًا وعاطفيًا وفكريًا. فحين نقرأ مع الطفل في هذه المرحلة العمرية فإنه يأخذ من النصّ كل شيء:
المفردات. التراكيب اللغوية. الأرقام. والمفاهيم الرياضية. الألوان والأشكال. الحيوانات. الأضداد والسلوكيات.
وكل ما من شأنه أن يكون معلومة مفيدة تعينه لمعرفة كيف يعمل هذا العالم. بل زِد على هذا كله، طفلك الدارج يربط الكتب بصوتك المألوف والمحبَّب إليه – والقرب الجسدي الذي تحدثه القراءة.
وهنا تحقق الكتب استمرارية وجودها مع الطفل مدى الحياة.
ولتحقيق هذا، قم بمراعاة ما يلي:
- ممارسة القراءة، كل وقت، كل يوم. إن عادة قراءة القصة قبل النوم مألوفة ومشتهرة لدى العديد من الأهالي. لا شيء يضاهيها؛ حين تودّ منح كرة الطاقة المشتعلة هذه (أعني طفلك) بعضًا من الهدوء والاسترخاء قبل النوم. تأكد فقط أن يكون الجو العام سلسًا ومتناسقًا من دون تعجّل. وثمّ اختر عددًا من القصص التي تنتهي بنهايات سلام ومشاهد خلود إلى النوم والراحة.
- ولكن ليس عليك الاكتفاء بهذا الروتين، إذ يمكنك أن تقرأ لطفلك خلال ساعات النهار، أحيانًا، قراءة القصص في النهار، تكون أفضل طريقة، إن لم تكن الطريقة الوحيدة، لإبطاء نشاط الطفل وتقليل حركته ودفعه إلى التركيز أكثر. استمتع بلحظات التواصل هذه حين لايزال شيء من ضوء النهار يتسلل إلى الغرفة من النافذة.
- اعرض ذوقك الخاص ، بصفتك وليّ أمر الآن، ولديك إحساس بما تحبه في الكتب الكبيرة، لديك فرصة الآن لإعادة اكتشاف ذوقك في كتب الأطفال. وإعادة قراءة القديم منها. جرِّب تعديل النص أثناء القراءة الجهرية، ولا تتردد في تحسينها سيّما كتب الأطفال الكلاسيكية القديمة التي عفا عليها الزمن والتي تتسم بطابع جنسيّ وعنصريّ، وبطريقة ما، تبدو الآن فظيعة جدًا!
- احترم تفضيلات طفلك. سيدهشك طفلك الدارج بميوله وآراءه المستقلة، فهو مثلما لا يحب طعامًا بعينه ويرفض تناوله، قد لا يميل إلى تلك النصوص التي تختارها أنت أو التي كانت تعجبك في طفولتك. وبالمقابل قد لا تكون أنت متحمسًا لاختياراته وما يحبه في القصص، (قصة عن القمل!) ولكن اغتنم هذا الاختلاف واجعله طريقًا لكي يعبّر طفلك عن نفسه، بل شجّعه على إبداء رأيه وإعجابه دون تحفّظ واستثمر ساعة الحوار هنا أحسن استثمار. يشمل ذلك أن تشجعه لاقتناء المزيد من الكتب حول ما يفضّله.
- ثنائية الوالد والطفل كلما تمكّنت من جعل القراءة أكثر إرضاءً لكليكما، كلما ارتبطت أكثر بالمتعة والمكافأة. فإذا لم يحب طفلك صوت غولك السخيف، فتوقّف عن استخدامه، وتذكر إن هذا الوقت مشترك بينكما، وهو وقت طفلك كما هو وقتك. جرِّب أن تدعه يتحكم قليلًا بتقليب الصفحات (ذلك رائع لتطور مهارة الحركة الدقيقة لديه)
- لا مشكلة في المقاطعة لا تدع نفسك تستغرق في القراءة متجاهلًا تعليقات طفلك واستفساراته، أفسح المجال لطفلك الدارج أن يسأل ويكرر ما يريد قوله. وفي حال لم يظهر الطفل رغبة في المتابعة معك، اسأله ماذا يرى في الصور وأشِر على الأشياء التي تدفعه للشرح أو رواية الحدث كما يراه.
- قم بتوسعة عالم طفلك القرائي. هل يبدو لك طفلك متعلقًا بكتابٍ بعينه؟ ذلك أمر طبيعي، ولا تستغربه، إنما حاول توجيهه بطريقة حيوية نحو الكتب الأخرى، والأهم من ذلك، لا تخف من عرض موضوعات لم يكن لها حضور سابق في قصص طفلك.
- في سنّ معينة (بعد 3 سنوات) قد يبدأ الأطفال في الانجذاب حصريًّا إلى قصص تتميز ببطل من جنسهم. بالنسبة للطفل الدارج فهذا لا يحدث، استثمر هذه المرحلة في عرض قوائم وموضوعات متنوعة أكثر وأكثر.
- اختر الكتب المختلفة والمتنوعة، وأقصد هنا من التنوّع هو عرض ثقافات مختلفة عن ثقافته وبيئته، أعراق وأقليّات وتقاليد من حول العالم. إن من شأن هذا الطرح ( الذي لا يعدّ مبكرًا كما قد يظن البعض) أن يحضّرهم للحياة كما هي. متنوعة ومختلفة ولا تشبهه هو فقط.