تجد في هذا المقال قصة مستمدة من كتاب: “فنّ وقت الشاشة” للمؤلفة آنيا كاميتيز. كما ويتضمن آخر تقارير من برنامجها الإذاعي
(عدّة الحياة) الذي تقدمه كاميتيز على الإذاعة الوطنية RNP (دليل الوالدية: وقت الشاشة وعائلتك)
حين كانت إيليس بوتس تصطحب ابنتها “إليزا” والبالغة من العمر سنة وخمسة أشهر من الحضانة. عائدة بها إلى البيت. تصف بوتس هذا المشهد الغريب الذي في استقبالهم عند الباب: “كان زوجي يلوّح بذراعيه كالمجنون وفي يديه شيئاً غريباً وعلى وجهه صندوق أسود! أشارت ابنتي “إليزا” مرتبكةً وهي تشير إلى والدها قائلة: “بابا!!”
لقد اتضحّ أن الأب كان يرتدي سماعة رأس جديدة للواقع الافتراضي.
لا يسع بوتس، والتي تعيش في ولاية سياتل، إلا أن تتساءل كيف ستعيش ابنتها وسط كل هذه التكنولوجيا المحيطة بها.
ورغم أن ردّ فعل إليزا كان ”ظريفاً” لكنه في الوقت نفسه مرعبا للأم. تقول بوتس: “لأنني أفكر في الأمر من وجهة نظرها كطفلة، ماذا يعني ذلك بالنسبة لها؟”
إنه سؤال جيد. تقول جيني رادسكي- طبيبة الأطفال، وهي واحدة من كبار الباحثين في مجال “الوالدية والأطفال ووسائل الإعلام الجديدة”. “
تقول رادسكي: ” إنَّ ثورة تكنولوجيا الهاتف المحمول لم يمضِ عليها سوى عقد من الزمن، وقد جلبت تحديات خاصة للآباء ومقدمي الرعاية. وتضيف: ”فيما استغرق الهاتف عقودًا للوصول إلى 50 مليون مستخدم عالميّ، استغرقت لعبة “بوكيمون “Go ما يقرب من أسبوعين ونصف فقط؛ ما يجعلنا نشعر جميعًا بأننا وكأنه اجتاحتنا موجةً عارمةً من كل هذه الأشياء الجديدة.“
يشعر معظمنا بأننا نفشل، على الأقل ،في بعض الأحيان، في إدارة المنافسة على الاهتمام التي تأتينا من العمل والتربية والشركاء، ومن أجهزتنا الرقمية. وفي حين أنها لا تريد أن تظهر بصورة المنتقد، إلا أنّ رادسكي وخبراء آخرين شاركوا أربع نتائج من البحث يمكن أن توجِّه الآباء والأمهات الراغبين في تحسين علاقاتهم مع أطفالهم ومع التكنولوجيا.
الأول: دائماً وأبداً، وكلما استطعت ضع هاتفك جانباً عندما تكون مع صغارك. خاصة أطفال تحت 7 سنوات.تخيّل الأمر بهذا الشكل: ماذا لو كنتَ حول مائدة عشاء وكان أحد الحضور يضع سماعات أذنين أو سماعات الواقع المعززّ؟ ألن يكون هذا مزعجا بالنسبةِ لك وغير لائق؟ هذا بالضبط ما يبدو عليه منظرنا كأهل ومربين ونحن منشغلين بأجهزتنا الرقميَّة عند جلوسنا مع أطفالنا. وقد سميَ: “الاقتحام التقني”
تعلّق بوتس على هذا المنظر المتكرر قائلةً: ”إنه أمر يثير جنوني عندما نكون جميعًا جالسين على مائدة العشاء ويتلقى زوجي إشعارًا على هذا الهاتف، ويعتقد أنه طالما أنه يحمله بعيدًا عن نظر [إليزا] فلا بأس بذلك“.
يمسك آباء الأطفال الصغار بهواتفهم بمعدل 70 مرة تقريبًا في اليوم، وفقًا لدراسة تجريبية نشرها رادسكي مؤخرًا. مع العلم أن معظم الآباء والأمهات في تلك الدراسة قللوا من تأثير كل من عدد المرات التي يلتقطون فيها هواتفهم ومن الوقت الذي يقضونه في استخدامها. كمؤشرات تأثير سلبية على الأطفال
إذا كان إلقاء نظرة خاطفة على الهاتف عادةً لا واعية جزئيًا، كما تشير دراسة رادسكي، فقد يصبح الأمر خطيرًا في حالتين على الأقل، إذ يمكن أن يكون تردد النظر على الهاتف يُعدّ مسألة حياة أو موت بالمعنى الحرفي للكلمة –
عندما تقود السيارة وعندما تكون في حمام السباحة.لكن لدى رادسكي تصوّر خاص حول التأثير العاطفي العميق لهذه الآلية: (استراق النظر المتكرر إلى الهاتف والانشغال به) بما تسميه ”التفاعلات متناهية الصغر“ بين الآباء والأمهات والأطفال والشاشات.
الثاني: توقف عن استخدام الهاتف كلهّاية لك ولطفلك. التحدي الكبير!
تشعر بوتس بالقلق من هذا الموقف مع ابنتها: ”كنا في الحافلة، وبقينا في الخارج لفترة طويلة في مكان ما ونحن في طريقنا إلى المنزل وتأخرنا عن موعد القيلولة وستصاب إيلزا بانهيار عصبي… لذا أُخرج لها الهاتف.“
”هل هذا شيء سيء؟
تعلّق رادسكي إن هذا أمر شائع بشكل لا يصدق. وقد وجدت أبحاثها علاقة بين المشاكل السلوكية واستخدام الأطفال وآبائهم للشاشات.
من خلال متابعة العائلات مع مرور الوقت، وثقت أبحاثها ما تسميه ”التدفق ثنائي الاتجاه“ بين استخدام الآباء للشاشات، واستخدام الأطفال للشاشات والمشاكل العاطفية للأطفال، سواء كانت نوبات الغضب والتصرفات غير اللائقة، أو على العكس، أن يصبحوا منعزلين أكثر فأكثر.
وبعبارة أخرى، كلما اندفع الأطفال في تصرفاتهم بشكل أكبر، زاد توتر الآباء. وكلما زاد توتر الآباء، كلما زاد لجوء الآباء إلى الشاشات كوسيلة إلهاء لأنفسهم ولأطفالهم.
وعليه كلما زاد لجوء الآباء إلى الشاشات، سواء لأنفسهم أو لأطفالهم، ارتفعت احتمالية ميل أطفالهم إلى الاندفاع في تصرفاتهم وفقدان السيطرة. ليس الأمر البيضة أولا أم الدجاجة. بل كما يظهر واضحاً هنا، البداية من أين.
من ناحية أخرى، عندما تسحب هاتفك في اللحظات الصعبة، تفوتك معلومات مهمة يمكن أن تساعدك على أن تكون والدًا أفضل – وتساعدك على منع المزيد من اللحظات الصعبة في المستقبل. وهذا هو حال أغلب الآباء والأمهات.
وتقول: ”نحن بحاجة إلى المراقبة والاستماع وجمع الأدلة لنتمكن من الاستجابة بالطريقة الصحيحة ومساعدة أطفالنا على تطوير مهارات التنظيم :الذاتي الخاصة بهم“. وهذه بعض الأمور التي تساعدك
- استخدم تطبيقات مثل Moment أو Screen Time لتتبع استخدامك للشاشة وإقفال الهاتف في أوقات معينة – مثل وقت العشاء.
- اجعل هاتفك: بعيد عن العين ليكون بعيد عن البال.
- قم بشحن هاتفك في منطقة قريبة لمدخل بيتك ، وجرب تركه في حقيبة العمل خلال أوقات الذروة العائلية مثل: الروتين الصباحي، والروتين المسائي العائلي.
- أقفل الإشعارات ليتسنى لك التحكم بوقت فتح وإغلاق الهاتف.
لكن الحياة ليست مثالية، وأحياناً نحتاج إلى التواجد في مكانين في وقت واحد. إذا كنت بحاجة إلى استخدام هاتفك في وجود أطفالك:
- قم بذلك عندما يكونون منشغلين أو سعداء غير محيطين بك وقد لبّيت لهم حاجة من حاجاتهم.
(هذه التراتبية لها تأثير بالغ في تعليم الطفل مبدأ الأولويات وأهميته في حياتنا)
- استخدم الأداة السحرية (السرد). اسرد لطفلك ما تفعله، كما تقول الباحثة دانا بويد. كأن تقول: ”دعنا نتحقق من حالة الطقس لنرى ما الذي يجب أن ترتديه للمدرسة مثلاً“، أو ”دعنا نطلب من أمنا أن تحضر الحليب وهي في طريقها إلى المنزل من العمل“.
- إذا كنت معتادًا على استخدام الشاشة لتهدئة طفلك، فابدأ بتجربة مقطع فيديو قصير أو مقطع صوتي قصير يعلّمه تقنيات تهدئة بشكلٍ واعٍ. تقترح رادسكي فيديو ”التنفس من البطن“ من برنامج ”إلمو“ من برنامج شارع سمسم. والذي يقابله مقاطع فيديو للأطفال الأكبر سناً لدى GoNoodle.
الثالث: قبل أن تقوم بنشر صورة أو مشاركة قصة لطيفة عن أطفالك على وسائل التواصل الاجتماعي، فكر ملياً واحصل على إذن منهم إن أمكن.
وجدت دراسة بريطانية أن الآباء والأمهات يشاركون حوالي 1500 صورة لأطفالهم عندما يبلغون 5 سنوات. تعتقد ستايسي شتاينبرغ، أستاذة القانون في جامعة فلوريدا، أنه يجب علينا التفكير مرتين بشأن هذا السلوك الذي تسميه ”شارينتينغ“.
شتاينبرغ متخصصة في حقوق الطفل. وهي أيضاً مصورة فوتوغرافية وأم لثلاثة أطفال، وبدأت تتساءل ”كيف يمكننا أن نوازن بين حق أطفالنا في الخصوصية ومصلحتنا في مشاركة قصصنا“؟
تريد شتاينبرغ من الأهالي”أن يفكروا في سلامة أطفالهم ليس فقط في الوقت الحالي ولكن في السنوات المقبلة إذا ما اطّلعوا على المعلومات الخاصة بهم و التي تمت مشاركتها“. وذلك عبر:
- التحقق من إعدادات الخصوصية على جميع مواقع التواصل الاجتماعي.
- عدم مشاركة صور أو فيديوهات لأطفالهم بملابس السباحة على الإنترنت.
- امنح الأطفال حق الاعتراض على ما تشاركه بمجرد أن يبلغوا من العمر ما يكفي لاستيعاب مفهوم ”إرسال هذه الصورة إلى الجدة“ مثلاً. ما بين 3 أو 4 سنوات.
- لا تشارك معلومات التعريف الشخصية الخاصة بأطفالك بشكل علني، مثل وجوههم أو أسمائهم أو أعياد ميلادهم أو عناوينهم الدقيقة. يمكن أن يعرّضهم ذلك لوسطاء البيانات، الذين ينشئون ملفات تعريفية ويبيعونها للمسوقين؛ أو للقراصنة الذين يمكنهم إنشاء حسابات احتيالية وإفساد رصيد الأطفال حتى قبل أن تخطوا أقدامهم مرحلة الحضانة.
على سبيل المثال، بعد لقاء الجمباز لطفلها البالغ من العمر 8 سنوات، وضعت شتاينبرغ الكمبيوتر المحمول على طاولة المطبخ حتى يتمكنوا من مشاهدة الصور معًا واختيار الصور التي يحبون أن تُنشر. كما ويشاركون معاً في الرد على تعليقات العائلة والأصدقاء.
وتقول إن هذه أفضل ممارسة للمشاركة الشخصية على شبكات التواصل؛ فهي تحمي خصوصية الأطفال، وتساعدهم على البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة.
كما أنها طريقة رائعة لنمذجة السلوك المحترم والحكم الجيد على وسائل التواصل الاجتماعي. يحتاج الأطفال إلى هذه مثل هذه السلوكيات التدريبية لفهم الكيفية الصحيّة للتفاعل عبر الإنترنت
لا تستخدم التكنولوجيا لانتهاك خصوصية أطفالك.
تمنحنا تطبيقات مثل Find My iPhone القدرة على معرفة مكان أطفالنا في جميع الأوقات. يمكنك أيضًا التحقق من سجل متصفحاتهم والبحث عن درجاتهم وقراءة محادثاتهم الجماعية ومراسلتهم طوال اليوم.
ولكن هل يجب عليك ذلك؟
تقول ديفورا هايتنر، معلمة الآباء ومؤلفة كتاب ”Screenwise“: ”عندما يشعر أطفالنا بالثقة، فإنهم غالباً ما يتخذون قرارات أفضل مما لو لم يشعروا بالثقة،؛ هذه الثقة تشعرهم بعدم الحاجة إلى اللجوء إلى الكذب والخداع”.
في النهاية نحن نربي بالغين سيكبرون ويحتاجون إلى اتخاذ خياراتهم الخاصة. وبالتالي يتوجب علينا أن نوازن بين حمايتهم وتمكينهم. فلا نتركهم سدىً تنهبهم وحوش العالم التقني ولا نلاحقهم بشكلٍ يُعطّل قدرتهم على التمييز والسباحة في هذا العالم من دوننا.
يمنكنك مثلاً، وعندما يبلغ أطفالك سن الثالثة عشرة، ويحصلون على حساباتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، أن تكتب كلمات المرور الخاصة بهم وتضعها في ظرف مغلق. وأخبرهم أنه في حال وقوعهم في أي مشكلة، أو حدوث تدنيّ في مستوياتهم الدراسية، أو تخطيهم لقوانين ما، أنك ستفتح المظروف لتصل إلى البيانات التي كانت سبباً وراء ذلك.
ختاماً، تقول الكاتبة دانا بويد- مؤلفة كتاب (الأمر معقد: الحياة الاجتماعية للمراهقين المتصلين بالشبكات): “إن ابنك قد يختار أو لا يختار أن يكون ”صديقك“ على وسائل التواصل الاجتماعي. فمع تقدمهم في المرحلة الثانوية، من الجيد أن تستعين بأشخاص موثوق بهم ليكونوا معهم – الأشقاء الأكبر سنًا أو أبناء العمومة أو أصدقاء العائلة أو العمات – للمتابعة والاطلاع على صفحاتهم. فالأمر حقاً بحاجة إلى تظافر الجهود والاستعانة بكل ما يمكن أن يساعدك على حماية وتمكين أطفالك في هذا العالم التقني.”